الأضحية ... يوم العيد
إن أيام العشر هي أيام مباركات والعمل فيهن مضاعف وفيها يوم عرفة ويوم النحر وقد أقسم الله بها في قوله تعالى ( والفجر وليال عشر ) فقيل الليالي العشر هي العشر من ذي الحجة , ويوم العيد هو يوم تقرب بذبح الأضاحي لغير الحاج وتوزيع لحومها على الأقارب والمحتاجين من المسلمين , بل يجوز في هذا اليوم أن يهدي شيئا من أضحيته لغير المسلم إن كان جارا له لعله يتعرف على سماحة الإسلام في فعل مناسك الأضحية التي تكون بين المسلمين في يوم عيدهم .
وهذه الشعيرة العظيمة هي سنة مؤكدة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده يقول الله عز وجل ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) الحج (37) , فالعمل الصالح هو الذي يصعد إليه ويتقبله ولن يكون صالحا بدون تقوى , وما زال الناس يضحون في كل سنة لمن أستطاع أن يشتري أضحية يضحي بها عن نفسه وعن أهل بيته , وإلا لا تلزمه ولا يأثم من ترك الأضحية , " وخير الأضحية الكبش الأقرن " كما جاء في الحديث عن عبادة ابن الصامت أي الكبش صاحب القرون هو ألأفضل السمين الذي يتجاوز عمره السنة فمن لم يجد فجذعة أي عمرها ستة أشهر فما فوق , وتجزئ من البقر ما كان عمره ثلاث ودخل في الرابعة وتجزئ من الأبل ما كان عمره خمس سنين فما فوق .
ومن تعجل الذبح قبل الصلاة فقد أخطأ فقد ذكر البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب , قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى إلى البقيع ، فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه ، وقال : إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيء عجله لأهله ، ليس من النسك في شيء . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إني ذبحت ، وعندي جذعة خير من مسنة ؟ قال : اذبحها ، ولا تفي عن أحد بعدك .
وتجزئ الشاة عن مضح واحد وتجزئ البقرة الكبيرة عن سبعة والبعير عن سبعة في حديث مسلم عن جابر ويجزئ كذلك البعير عن عشرة يشتركون فيها , فقد ذكر الألباني في صحيح الترمذي عن عبدالله بن عباس كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة ، وفي الجزور عشرة .
ولا يذبح الذي يريد أن يضحي إلا بعد أن يمسك عن شعره وعن أظفاره وعن بشره مشابهة للحاج من أول أيام العشر فقد ذكر الألباني عن أم سلمة بسند صحيح قالت : قال رسول الله : من رأى هلال ذي الحجة ، فأراد أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ، و لا من أظافره ، حتى يضحي " , ولا يباشر الذبح إلا بعد أن يصلي صلاة العيد فمن ذبح قبل ذلك فلا تحتسب أضحية بل هي لحم لبيته ولا تعد من نسك الأضاحي , وقد ذكر الألباني بسند صحيح عن جندب بن سفيان , قال : شهدت أضحى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بالناس فلما قضى الصلاة رأى غنما قد ذبحت فقال من ذبح قبل الصلاة , فقال من ذبح قبل الصلاة ، فليذبح شاة مكانها ، و من لم يكن ذبح ، فليذبح على اسم الله عز وجل " .
ويسن ذبح المضحي أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد صحح الألباني في الترمذي عن جابر بن عبدالله أنه قال : شهدت مع النبي صلى الله عليه و سلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل عن منبره فأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده وقال بسم الله ، والله أكبر ، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " . ومن زاد بدعاء بعد أن يسمي ويكبر فلا حرج عليه , فقد ذكر الألباني بسند حسن في تخريج مشكاة المصابيح عن جابر بن عبدالله أنه قال : ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أملحين أقرنين موجوءين فلما ذبحهما قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا من المسلمين ، اللهم ! منك ولك عن محمد وأمته ، بسم الله ، والله أكبر" .
وأيام الذبح أربعة أيام أولها يوم العيد بعد الصلاة وأيام التشريق الثلاثة التي بعده إلى قبل غروب أخر يوم من أيام التشريق الثالث عشر من ذي الحجة , وهي أيام أكل وشرب وذبح وذكر لله , ولا يصح صيام يوم العيد ولا يسن الصيام في أيام التشريق , ومن أراد أن يصوم فليصوم الأيام التسع من شهر ذي الحجة ومنها اليوم التاسع يوم عرفة .
وإذا أراد أن يذبح فليحد شفرته وليرح ذبيحته وعليه أن يطرحها على جنبها الأيسر متوجها للقبلة ويسم الله ويكبر ويقول عني وعن أهل بيتي اللهم إن هذا منك وإليك ويقطع الوريدين مع الحلقوم مدخل الهواء ويتركها تموت قبل أن يسلخها , ولا يذبح الشاة أمام أختها بل يفصل بينها ولا يريها السكين رأفة بها , ويجوز للمرأة أن تذبح الأضحية ويجوز للمراهق أن يذبح بشرط أن يحسن الذبح , ولا يصح ذبح الجزار الكافر من غير أهل الكتاب , ويسن الأكل من الأضحية وأن يجزئها ثلاثا فيأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق على الفقراء بالثلث لقول الله عز وجل ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) الحج (36) , ولا يعطي الجزار شيء من لحمها أو جلدها أجرة على الذبح بل يتصدق بجلدها , ومن لم يكن ينوي الأضحية ثم بدا له أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره في وقته حتى يضحي .
إن الأضحية هي عمل صالح يتقرب به المؤمن إلى الله فليختر المضحي أضحية حسنة من أجود الأضاحي سليمة من العيوب , أي أن لا تكون عرجاء أو هزيلة أو عوراء أو مريضة , فالذي لا تقبله لنفسك ولضيفك فمن باب أولى أن لا تقبله قربة إلى ربك , نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم ومن المضحين أضحياتهم ....والحمد لله رب العالمين .